الحلقة الرابعة – كيف تبدأ الحكومة المدنية من تحت الصفر؟
الحلقة الرابعة – كيف تبدأ الحكومة المدنية من تحت الصفر؟

الوضع الحالي في السودان لا يسمح بتسلّم “دولة جاهزة” للعمل. الحكومة المدنية المنتظرة ستدخل على واقع منهار: مؤسسات مفككة، مجتمع مجروح، اقتصاد ميت، وأرض مشتعلة. ما يعني أن نقطة البداية ليست إصلاح الدولة، بل إعادة بنائها بالكامل.
ولأنك تبدأ من تحت الصفر، لازم تكون خطتك ذكية، مرنة، وتشتغل على ثلاثة محاور بشكل متوازي: الشرعية – السيطرة – الثقة.
1. تأسيس شرعية واقعية لا شكلية:
أول تحدٍّ هو أن تنال الحكومة ثقة الناس، مش عبر بيانات أو اعترافات خارجية، بل عبر:
شرعية الإنجاز: قرارات فورية تلامس حياة المواطن.
شرعية التمثيل: تمثيل حقيقي للمناطق المنكوبة والمهمشة، مش فقط نخب الخرطوم.
شرعية التواصل: خطاب يومي صادق من الحكومة للناس، بدون تزييف أو تصنّع.
الناس لازم تشوف وتسمع وتحس أن في جهة مسؤولة ظهرت، وتعمل عشانهم.
2. استعادة السيطرة على الأرض:
ما في حكم مدني إذا الدولة ما بتتحكم في أراضيها.
والسيطرة هنا لا تعني حرب أو عنف، بل:
تنسيق مؤقت مع المكونات العسكرية الموجودة، لإدارة الأمن المدني المشترك مؤقتًا.
إعادة نشر الشرطة المدنية في المدن والقرى الآمنة، ولو بشكل رمزي.
وقف الفوضى الإدارية، واستعادة السيطرة على الجبايات، المعابر، والموانئ.
حتى أبسط قرية لازم تحس إن في دولة، ما مليشيا أو شيخ محلي هو صاحب القرار.
3. بناء الثقة من جديد:
الثقة بين المواطن والدولة في الحضيض.
ولإعادة بنائها، الحكومة لازم تلتزم بـ:
الشفافية: كل قرار لازم يُشرح للناس، وكل مال يُصرف يُعلن.
العدالة: حتى في غياب قضاء فعّال، تبدأ الدولة بمحاكمات علنية رمزية، أو لجان محايدة للمحاسبة.
الاستماع: الحكومة لازم تكون موجودة وسط الناس، في المعسكرات، الأسواق، القرى، تسمع وترد.
4. بناء حكومة مصغّرة:
لا وقت للمجاملات أو المحاصصات السياسية. المطلوب:
حكومة من 6 إلى 10 وزارات فقط، تركز على الطوارئ (الصحة، التعليم، الأمن، الغذاء، المالية، البنية التحتية).
وزراء تنفيذيون، مش سياسيين، يُقيَّمون بالأداء لا بالكلام.
تقليل السفر والمؤتمرات والظهور الإعلامي. المطلوب عمل ميداني.
5. إدارة الموارد بإحكام:
الفلوس قليلة، والمطلوب كثير. أولويات إدارة الموارد:
وقف أي تسريبات مالية (فساد، تمويل مليشيات، مرتبات وهمية).
التعامل مع المنظمات الدولية بشفافية، وفرض رقابة وطنية على المساعدات.
تشغيل ما يمكن من الموارد المحلية: الزراعة، الذهب، الجمارك.
الخلاصة:
أي حكومة مدنية في السودان ستبدأ من الصفر، ونجاحها أو سقوطها سيتحدد في الشهور الأولى.
البداية ما محتاجة عباقرة، لكنها محتاجة عقل بارد، قلب شجاع، وضمير حي.
المهمة أكبر من مجرد إدارة.. إنها معركة بقاء.
وإما أن تبدأ صح، أو لا تبدأ إطلاقًا
الحلقة القادمة: خارطة طريق عملية للعام الأول: ماذا تفعل الحكومة شهرًا بشهر؟