مقالات الرأي

السودان في قلب العاصفة الإقليمية… والجيش يتقدم بثبات

لم يعد ما يحدث في السودان مجرد اضطراب داخلي أو صراع على السلطة، بل أضحى من الواضح أن البلاد تواجه مخططاً إقليمياً معقداً يسعى إلى تفكيك الدولة السودانية، وزرع الفوضى في قلب القرن الأفريقي ومنطقة الساحل والصحراء. هذه حقيقة لم تعد تقبل الجدل، لا سيما في ظل انكشاف الدعم العسكري واللوجستي والسياسي الذي تتلقاه الحركات المتمردة من بعض الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة.

تشير معطيات ميدانية واستخبارية موثوقة إلى أن الدعم الإماراتي للتمرد لم يعد مقتصراً على الجانب السياسي أو الإعلامي، بل تعداه إلى إمدادات الأسلحة والذخائر عبر طرق معقدة تمر من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى. هذا الدعم لا يمكن فهمه إلا في سياق مشروع أوسع لإعادة هندسة المنطقة وفق معادلات لا تضع استقرار الدول في الحسبان، وإنما تسعى إلى خلق كيانات هشة تُدار بالوكالة، وتُوظَّف في صراعات النفوذ.

الغريب والمؤسف أن بعض هذه التدخلات تأتي من دول كنا نعدها حليفة، وتربطنا بها مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية. لكن تجربة السودان في هذا الصراع كشفت بجلاء حجم التآمر، ومدى الاستعداد لدى البعض لاستخدام الحركات المسلحة كأدوات لزعزعة الأمن القومي السوداني، وتفتيت وحدة البلاد.

رغم كل ذلك، فإن ما يصنع الفرق اليوم هو ثبات القوات المسلحة السودانية، التي أثبتت على مدار الشهور الماضية أنها درع الوطن وسياجه، وأنها قادرة على إدارة معركة متعددة المستويات: عسكرياً في الميدان، وسياسياً في المحافل الدولية، وأمنياً على جبهات الحدود. لقد تصدى الجيش لمحاولات جر السودان إلى هاوية الفوضى، وأوقف تمدد الفتنة إلى داخل المؤسسات الحيوية، وفرض معادلة توازن تمنع الانهيار الشامل.

في هذا السياق، تُطرح أسئلة حقيقية على دول الجوار، خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى: إلى أي مدى يمكنها أن تظل صامتة – أو متواطئة – تجاه استخدام أراضيها ممراً لتدفقات السلاح؟ ألا تدرك أن الحريق إذا اشتعل في السودان، فلن يتوقف عند حدوده؟ إن صمتها إزاء ما يجري يعطي انطباعاً بموافقة ضمنية، وهو ما سيكون له أثمان استراتيجية في المستقبل القريب.

أما الدول الكبرى والمنظمات الدولية، فعليها أن تعيد النظر في مواقفها الرمادية، وأن تتخلى عن ازدواجية المعايير التي تشرعن التمرد وتُقزم شرعية الدولة. السودان اليوم يقاتل ليس من أجل بقائه فقط، بل من أجل استقرار المنطقة بأسرها، ومن يدفع الثمن هم المدنيون الذين يتحملون أعباء التدخلات الخارجية أكثر من غيرهم.

في ختام هذا المقال، لا بد من التأكيد على أن السودان، برغم الألم، لن ينكسر. فوحدة ترابه خط أحمر، وجيشه يقف سداً منيعاً في وجه المشاريع المدمرة. وعلى كل من يراهن على تفكيك السودان أن يعيد حساباته، فهذه الأرض قد تنحني أمام العاصفة، لكنها لا تنكسر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى