علي صلاح يكتب..الخرطوم تنادي.. لنُعيد الحياة إلى عاصمتنا الجميلة

بقلم: علي صلاح البخيت
في لحظة تأمل حزينة تقف الخرطوم، شامخة رغم الانكسار، تتلفّت حولها تبحث عن أبنائها، عن أياديهم التي اعتادت أن تبني، عن أرواحهم التي كانت تنبض بالحياة في شوارعها، عن ضحكاتهم التي كانت تملأ الأزقة، وتغني في الأسواق، وتعانق النيل في المساء.
الخرطوم لا تموت، لكنها تنزف، تحتاج إلى من يضمد جراحها، لا بالصمت بل بالفعل المدينة التي كانت مأوى للجميع، ومساحة حلم لكل سوداني، أصابها ما أصاب الوطن من ألم، لكن النداء الآن واضح وصريح: عودوا إليّ.. أعيدوا إليّ الحياة.
لقد تغيّرت ملامح العاصمة ليس لأنها فقدت أرواحًا بريئة فقط، ولا لأنها باتت مدينة طاردة، بل لأنها افتقدت دفء ناسها، وحرارة قلوبهم، وصوتهم في الشوارع، ووجودهم في بيوتهم افتقدت تلك الحياة اليومية التي كانت تصنع منها مدينة نابضة، مدينة لا تنام.
لكن الخرطوم لا تزال تنبض، تنتظر، تتأمل. فهل نلبّي النداء؟
اليوم، لا تكفي الكلمات، ولا يجدي البكاء على الأطلال. الخرطوم تحتاج إلى عودة حقيقية، عودة محمّلة بالأمل والعمل. نحتاج أن نُبدل صوت المدافع والرصاص، بصوت المطرقة التي تبني، والمعول الذي يزرع، والقلم الذي يخطط ويكتب لمستقبل مختلف.
نحتاج إلى أن نغرس في ترابها شتلات الحياة، وأن نعيد لليلها ضوء الأمان، وأن نُعيد رسم ملامحها الجميلة، لا بالطلاء فقط، بل بالفعل الصادق والرؤية الوطنية. الخرطوم لا تعود بالخطب، بل تعود بأبنائها، يعود وجهها الجميل عندما تعود الأسر إلى منازلها، عندما يُفتح باب مدرسة وينطلق جرس الحصة الأولى، عندما تعود الضحكة لتسكن البيوت.
الخرطوم ليست مجرد عاصمة.. هي ذاكرة أجيال، ومهد بدايات ونقطة التقاء نيلين وصوت وطن واليوم ومع كل تحديات الحاضر، نحن أمام لحظة تاريخية: إما أن نتركها تذبل أو أن نُعيد لها ازدهارها بعرقنا ووفائنا.
لكل من يملك فكرة، أو طاقة أو رغبة في التغيير الخرطوم تحتاجه الآن. كل مهندس، وكل مزارع، وكل معلم، وكل طبيب، وكل فنان.. هذه مدينتكم، وتنتظر عودتكم لا لتسكنوا فيها فقط، بل لتُحيوا روحها.
لنحمل معًا مشاعل الأمل ولنوقد من رماد المحنة شعلة جديدة نقول من خلالها للعالم: الخرطوم عائدة، أقوى، وأجمل، وأبهى .