مقالات الرأي

دهاء البرهان ورمزية علم السودان

صدام عبد اللطيف

دهاء البرهان ورمزية علم السودان

أطلق القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مقترحه أثناء مشاركته في برنامج تأبيني لشهداء المعارك نظمته حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، حيث زينت المنصة بعلم الاستقلال الذي يحمل الألوان الأزرق والأصفر والأخضر وهو العلم الذي تتخذه الحركة شعارا لها. وأوضح البرهان أن دعوته تهدف إلى إعادة صياغة الدولة السودانية على أسس صحيحة عبر رفع العلم الذي رفعه الأجداد يوم الاستقلال مؤكدا أنه يمثل رمزا أصيلا للهوية الوطنية.
قرار البرهان بإعادة طرح فكرة تغيير علم السودان فتح بابا واسعا للنقاش لكن نظرتي للأمر تميل إلى قراءة الجانب الذكي في هذه الخطوة. فالبلاد يعيش حالة تمزق سياسي وعسكري والمؤسسات تواجه أخطر امتحان في تاريخها الحديث لذلك أي إشارة تعيد الذاكرة الوطنية إلى زمن أكثر اتزانا يمكن أن تتحول إلى نقطة التقاء بين الناس. العلم رمز كبير يحمل فكرة الانتماء والهوية وكلما اهتزت الأرض تحت أقدام الدولة ازدادت قيمة الرموز التي تجمع ولا تفرق.
البرهان أثبت ذكائه في طرح هذا الاقتراح في هذا التوقيت فهو يقدم رسالة بسيطة تبلورت في أن العودة إلى جذور الوطن لا إلى صراعاته الأخيرة. العلم القديم يرتبط بمرحلة استقلال لها مكانة خاصة في وجدان السودانيين. اختيار هذا الرمز في هذا التوقيت يخلق أرضية جديدة يمكن استخدامها لإعادة ترتيب المشهد العام ومنح المواطنين مساحة للتفكير في معنى الدولة نفسها بعيدا عن الخطابات العسكرية اليومية. هذه خطوة تحول نقاش الشارع من الضجيج إلى سؤال أهم وهو كيف نعيد بناء السودان؟
وفي الوقت نفسه التحرك يمنح البرهان فرصة لإعادة تشكيل تحالفاته فهو يضع أمام الجميع مشهدا يقول إن الهوية الوطنية تحتاج إلى صيانة وإن الدولة تحتاج إلى إطار جامع. وأن اختيار رمز قديم هو محاولة لخلق مسار جديد يجمع من انقسموا وتبعثروا وليس انسحابا إلى الماضي ورجوعا الى الوراء كما يعتقد البعض. هذا النوع من الخطوات يخدم السياسي الذي يعرف أن الرمزية لغة مهمة خاصة عندما تنعدم الثقة وتتشقق العلاقات داخل السلطة والمجتمع.
ورغم اختلاف المواقف حول الخطوة إلا أن النقاش نفسه يكشف أن الفكرة أصابت نقطة حساسة في وجدان شعب مرهق. البعض رأى الفكرة التفافا على القضايا الأساسية والبعض الآخر وجد فيها محاولة لخلق مسار يعيد التوازن للبلد. لكن الحقيقة الثابتة أن الرموز تحرك المشاعر وتعيد ترتيب العقول وتفتح أبوابا تغلق عادة في وجه السياسة التقليدية.
يبقى الامتحان الحقيقي في ما إذا كانت هذه الخطوة ستتبعها إجراءات على الأرض تشبه روح العلم الذي يدعو البرهان لرفعه. فحين يتحول الرمز إلى فعل يمكن أن ينسج مسارا جديدا للسودان. ولكن إذا ترك وحده دون مشروع واضح فسيتحول إلى لحظة لا معنى لها في تاريخ بلد يحتاج الآن لكل خطوة تبني ولا تهدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى