الإعلام… البوصلة التي تقود التنمية المستدامة بعد الحرب

كلمة حق
ايمان الحبر تكتب
الإعلام… البوصلة التي تقود التنمية المستدامة بعد الحرب
في مراحل ما بعد الحروب، تتجه أنظار الشعوب نحو إعادة الإعمار وبناء ما تهدّم، لكن قليلاً ما يُدرك البعض أن أولى خطوات البناء لا تبدأ من ورشة الإنشاء أو غرفة التخطيط، بل من منصات الإعلام التي تمتلك القدرة على تشكيل الوعي وقيادة توجهات المجتمع نحو مستقبل مختلف. فالإعلام، حين يمارس دوره بمسؤولية، يتحول إلى فاعل رئيسي في توجيه دفة التنمية المستدامة في مرحلة شديدة الحساسية.
أولى المهام التي يضطلع بها الإعلام بعد الحرب هي إعادة بناء الثقة داخل المجتمع. فالجراح لا تكون مادية فقط، بل تمتد إلى العلاقات الإنسانية التي تنكسر بسبب العنف والانقسام. ومن خلال الخطاب المتزن، وتقديم نماذج واقعية للمصالحة والتعايش، يسهم الإعلام في تهدئة النفوس وإعادة اللحمة بين المواطنين، ما يمهّد الأرضية لأي عملية تنموية ناجحة.
كما يصبح الإعلام شريكاً أساسياً في تعزيز الشفافية والمساءلة، عبر تسليط الضوء على مشاريع الإعمار، وكشف الفساد، ومراقبة أداء الجهات الرسمية. فالتنمية التي تُدار في الظلام غالباً ما تتعثر، بينما تلك التي تخضع لعيون المواطنين ومتابعتهم تكون أقدر على الاستمرار وتحقيق أثر حقيقي.
إلى جانب ذلك، يلعب الإعلام دوراً محورياً في حشد الدعم الدولي والمحلي. فحين ينقل للعالم صورة واضحة عن الاحتياجات والفرص، تتدفق الاستثمارات والمبادرات الدولية. كما يساهم في تشجيع القطاع الخاص والمجتمع المدني على المشاركة في مشاريع البناء الاقتصادي والاجتماعي.
ويبرز أيضاً دور الإعلام في تعزيز ثقافة التنمية المستدامة. فمن خلال برامجه وتقاريره يمكنه أن يروّج لمفاهيم الاقتصاد الأخضر، وإعادة تدوير الموارد، والطاقة المتجددة، وريادة الأعمال، وتمكين المرأة والشباب. فهذه المفاهيم ليست ترفاً بل جزء من بناء مستقبل مستقر قادر على الصمود أمام الأزمات.
ولأن آثار الحرب تمتد إلى النفس البشرية، يقدّم الإعلام محتوى يساعد على التعافي النفسي ويواجه الشائعات التي تهدد الاستقرار. فهو يعمل كخط دفاع أمامي ضد الفوضى المعلوماتية التي قد تعيق جهود الحكومة والجهات العاملة في الميدان.
إن الإعلام، بكل أدواته التقليدية والرقمية، يشكّل اليوم منصة توجيه وطنية. وإذا ما تم منحه مساحة كافية من الحرية، ودُعم بالمهارات والموارد، فإنه يتحول إلى قوة ناعمة قادرة على قيادة مسار التنمية، وتوحيد الرؤية، وحشد الطاقات نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
في النهاية، يمكن القول بثقة إن إعادة بناء ما تهدّم لا تكتمل بدون إعلام واعٍ ومسؤول. فالإعمار يبدأ بالكلمة، والاستقرار يُصنع بالرأي المستنير، والتنمية المستدامة تحتاج إلى إعلام يقف في مقدمة الصفوف، ليقود المجتمعات من ركام الحرب إلى آفاق الأمل.



