بدرالدين عبدالقادر يكتب .. “ديل أهلي”

عبق الحروف
بدرالدين عبدالقادر
عندما اشتدت المحنة بأهل الفاشر، وضاقت بهم السبل بين ناجٍ بجسده ومكلومٍ في أهله وذويه جراء انتهاكات الدعم السريع وأعوانه ، كانت أرض النيل والنخيل الولاية الشمالية لهم سندًا حضنا وملاذًا. فتحت مدينة الدبة أبوابها وبيوتها، واستقبلت أبناء الفاشر كما يُستقبل الأهل في ساعة الضيق، يتقاسمون معهم الماكل الزاد والكساء الإيواء ، ويتسابقون — خفافًا وثقالًا — إلى خدمتهم، ولسان حالهم يجسد كلمات شاعرنا اسماعيل حسن: ((بلادي امان وناسها حنان يكفكفوا دمعة المفجوع يبدوا الغير على ذاتهم يقسموا اللقمة بيناتهم
ويدوا الزاد حتى ان كان مصيرهم جوع
يحبوا الدار يموتوا عشان حقوق الجار ويخوضوا النار عشان فد دمعة وكيف الحال كان شافوها سايلة دموع))٠٠٠
مؤكدين أن هذا الوطن، بكل اتساعه، بيت واحد وسقف واحد وكنف رحيم .
وقطع الناجون الأميال الطويلة نحو مناطق الأمن والأمان، وهذا في حد ذاته برهان آخر على الحقيقة التي أثبتتها التجارب والظروف : حيثما حلّت القوات المسلحة، ضجّت الأرض بالأمن والطمأنينة، وصارت تلك المناطق وجهة وقبلة للباحثين عن النجاة والسلام.
هذه اللوحة الإنسانية البهية المشرقة التي رسمها أهل الشمال بصفة عامة وانسان الدبة بصفة اخص ، أسقطت كل دعاوى الكراهية البغيضة المريضة التي أرادت تمزيق نسيج هذه البلاد، ودحضت أكاذيب إعلام التضليل والفتنة والإرتزاق الذي سعى لإشعال الصراع وتغذية الشقاق.
ما حدث في الدبة ليس استقبال للناجين فحسب … بل هو استعادة لمعنى الإخوة، وتجديد للعهد بأن السودان — مهما عصفت به الاحن واشتدت عليه المؤامرات — سيظل واحدًا بقلب واحد وروح واحدة لا تعرف الإنقسام، ولا تفتح الباب أمام العملاء الذين يحلمون بتمزيقه إلى دويلات يسهل نهبها وإضعافها والتهامها .
هذا البلد يثبت دائمًا أن أهله هم درعه الواقي ، وأن جيشه هو بوابة أمنه، وأن وحدته خط الدفاع الأول عن كرامته وسيادته حاضرا ومستقبلا .


