لمسة وفاء في صقيع المعاناة

بقلم : دكتور /يوسف قرشي محمد
الرمال المتحركه
في صباحٍ غابرٍ من التعب، حيث تمتزج رائحة الغبار بدموع الانتظار، كان معسكر النازحين في أطراف مدينة الدبه بالولايه الشماليه يفتح قلبه على مشهدٍ لن تمحوه الأيام بسهولة. وسط الحشود المرهقة، التي أكلت منها المآسي كما تأكل النار أطراف الورق، تقدّم رئيس مجلس السياده القائد العام للقوات المسلحه الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان بخطواتٍ متأنّية، لا تحمل صدى السلطة بقدر ما تحمل وقع الإنسان .
كانت هناك امرأة مسنّة، تجسّد في ملامحها كل حكايات السودان الجريحة، تقف متكئة على عصاها، وعيناها تبحثان في الزحام عن وجهٍ من أملٍ ضائع. وحين اقترب منها البرهان، لم يكن اللقاء بين مسؤولٍ ونازحة، بل بين وطنٍ وأمّه. مدّ يده نحوها، فمدّت هي قلبها نحوه، وحين احتواها بذراعيه، بدت اللحظة كأنها صلاة صامتة في معبد الألم.
لم تكن تلك العناق لحظة بروتوكول أو مشهدًا أمام عدسات الكاميرا، بل كانت اعترافًا صادقًا بالوجع، ولمسة وفاء لأرواحٍ صبرت كثيرًا على محنة الحرب والتشريد. ففي تلك العيون العجوز، رأى البرهان صورة البلاد التي لم تنكسر رغم العواصف، وفي حضنه رأت هي ابنًا عائدًا من غيابٍ طويل، يحمل وعدًا بالعودة إلى الديار.
سكت الجمع، ولم يبقَ في الهواء إلا صدى المشاعر التي لا تُقال. كانت الأيادي ترتجف بين الدموع، والسماء تمطر نورًا خفيفًا على المشهد، كأنها تشاركهم الدعاء.
تلك اللحظة، في بساطتها، كانت تختصر قصة وطنٍ ينزف لكنه لا يستسلم رغما عن الجوع والنزوح والتشريد، وتؤكد أن بين ركام الحرب لا يزال هناك قلب ينبض بالوفاء، يمدّ ذراعيه ليحتضن أبناءه، ويهمس لهم لسنا غرباء في أرضنا، ولسنا بلا أمل.
الرساله الى عملاء السفارات وشذاذ الافاق لا تهادن مع من باعوا النفوس ولاعقي بكسر العين احذية بن ناقص والغزاة وما اصعب كسر العين …
وإنا اذا غمرت بلادنا وعضنا نأب اكول وبلادنا غمرت دما
ومضى بها الباغي يجول لن
نوقف الغارات حتى عن مرابعنا تزول…
لاتهادن لاتهاون بل بالهاون
نصر من الله وفتح قريب.



