بدرالدين عبدالقادر يكتب..الفاشر.. لقاء الاوفياء وإرادة الشعب في فك الحصار

عبق الحروف
بقلم : بدرالدين عبدالقادر
“نلتقيك اليوم يا وطني لقاء الأوفياء… قد تنادينا خفافاً كخيول الريح في جوف العتامير”… كلمات الشاعر مبارك بشير في رائعة وردي الخالدة بدت وكأنها تُستعاد من جديد في بورتسودان، حيث تدافع القادة ورموز المجتمع والإدارات الأهلية في لوحة وطنية لافتة، ليعلنوا من خلال تدشين اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر أن الوطن لا ينكسر، وأن أبناءه حاضرون كلما ناداهم في ساعة العسر والشدة.
كان المشهد أشبه بميثاق للكفاح والتفاني ، تداخلت فيه السياسة مع الوجدان الشعبي، وتعانقت فيه الهموم اليومية مع إرادة المقاومة. هناك ارتفعت الأصوات لتؤكد أن حصار الفاشر ليس أزمة محلية، بل معركة وجود تمس حاضر السودان ومستقبله. وفي تلك اللحظة بدا بيت تلك الأغنية الوطنية وكأنه يتردد صداه بين الجدران:
“نحن أبناؤك في الفرح الجميل، ونحن أبناؤك في الحزن النبيل”،
ليجسد أن مدينة الفاشر ليست وحدها، بل هي قلب الوطن الذي يخفق في صدور أبنائه الخلص من أقصى الشمال إلى أعماق الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
في كلمته، تحدث الدكتور بحر إدريس أبو قردة نائب رئيس اللجنة بوضوح: ان السودان قد واجه مؤامرة كبرى، أحبطتها القوات المسلحة، لكن المخطط انتقل إلى دارفور، حيث صمدت الفاشر رغم سقوط مدن أخرى . وكانت رسالته أن المدينة صارت رمزاً، وأن نساءها جسّدن ببطولاتهن معنى المقاومة الحقيقية والثبات والفداء .
وفي ذات السياق، أكد محمد الأمين ترك، نائب رئيس اللجنة وممثل الإدارة الأهلية في السودان، أن الشعب كله يقف صفاً واحداً خلف قواته المسلحة وتشكيلاتها المساندة في معركتها لدحر التمرد وفك حصار الفاشر. وأضاف أن ما يسمى ببيان الرباعية “لا يعني الشعب السوداني في شيء”، معتبراً إياه امتداداً للمؤامرة الكبرى التي تستهدف الوطن ووحدته.
مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور ومشرف اللجنة ، بدوره، لم يكتف بالكلمات التي جسدت التفاف الشعب حول القوات المسلحة وقضية حصار مدينة الفاشر والمدن الأخرى بل ارفقها ببشريات ، معلناً عن تبرعات سخية من رجل الأعمال أزهري المبارك بعدد(100) عربة مجهزة بكامل العتاد و(4) إسعافات وعدد من المستشفيات الميدانية وناشد جميع أفراد الشعب السوداني المشاركة في هذه المبادرة ، ليؤكد أن معركة الفاشر لا تُكسب بالشعارات، وإنما بالفعل الملموس مع سرده الكامل لمواقف المجتمع الدولي السالبه نحو دارفور خاصة و ألفاشر على وجه الخصوص بعدم ادانه رسميه لجرائم المليشيا البشعه التي ارتكبتها في حق الشعب والعاملين في منظمات الأمم المتحدة .
أما رئيس الوزراء د. كامل إدريس فقد رسم ملامح البُعد الدولي للقضية، حين وصف الفاشر بأنها “أم القضايا” التي سيحملها إلى الأمم المتحدة، منتقداً صمت العالم عن جرائم المليشيات التي تواصل انتهاكاتها حتى تحت ستار الهدنة وأكد أنه على اتصال مستمر مع الأمين العام للأمم المتحدة بغرض فك الحصار عن الفاشر فورا .
ولم يكن صوت المرأة غائباً، فقد تحدثت الدكتورة رشيدة محمد أحمد بلسان الأمهات ونساء الفاشر، مستحضرة صورة الطبيبة هنادي التي استشهدت وهي تعالج الجرحى والمرضى ، لتصبح شاهداً على أن التضحيات لم تقتصر على المقاتلين في الجبهات فقط ، بل شملت أيضاً من حملوا رسالة الحياة في أصعب الظروف.
إن الرسالة الأعمق والاوضح التي خرج بها هذا التدافع والالتفاف، أن الفاشر لم تعد مدينة محاصرة فحسب ؛ بل انها قلب الوطن النابض ورمز لصمود شعبٍ بأكمله. وإذا كان الحصار عسكرياً، فإن كسره لا بد أن يكون عسكريا وبإرادة سياسية ايضا ، وتكاتف شعبي، وضغط دولي حقيقي .
ويبقى السؤال: هل يلتفت العالم ليقرأ جيداً ما تكتبه الفاشر بدمائها وثبات أهلها ؟ أم أن المدينة ستظل تراهن على سواعد أبنائها وبناتها حتى تنكسر قيود الحصار؟ وحتما سينجلي الظلم في رأد الضحى والنصر قادم بإذن الله.