كيف يُحكم السودان اليوم؟ (واقع لا رغبات)

كيف يُحكم السودان اليوم؟ (واقع لا رغبات)
عندما نتحدث عن “كيفية حكم السودان اليوم”، لا بد أن نبدأ بفهم الواقع المرير الذي تعيشه البلاد. السودان اليوم ليس كما نريد أن يكون، بل هو كما هو في ظل الظروف الراهنة: دولة ممزقة، يعاني شعبها من الفقر والمرض والاقتتال، وأمنها هشّ، ومواردها مهدرة. لكن الحديث عن حكم السودان لا يبدأ من “الرغبات” بل من “الواقع”، لأن أي خطة للانتقال إلى حكومة مدنية يجب أن تنطلق من فهم شامل لما نحن عليه اليوم.
1. غزو الفوضى:
منذ سنوات، انزلق السودان إلى فوضى عارمة نتيجة للحروب المستمرة بين المليشيات المسلحة، والانقسامات السياسية بين القوى المدنية والعسكرية، فضلًا عن تدخلات إقليمية ودولية. هذه الفوضى زعزعت الأمن، وعطلت الأداء الحكومي، ودفعت الشعب إلى فقدان الثقة في أي جهة تحكم. النتيجة كانت غياب السلطة المركزية الحقيقية، وتسلط العديد من “الأمراء المحليين” الذين فرضوا سلطتهم بالقوة.
2. ضعف المؤسسات:
لا يمكن الحديث عن حكم دولة دون وجود مؤسسات قوية وفعّالة. في السودان، معظم المؤسسات الحكومية إما معطلة أو ضعيفة أو مفككة. النظام القضائي، على سبيل المثال، ليس في حالة تسمح له بتطبيق العدالة أو محاسبة الفاسدين. المؤسسات الاقتصادية مثل البنك المركزي والوزارات المالية والصناعية، تجد نفسها عاجزة عن تحقيق تنمية حقيقية، بسبب قلة الموارد، وانعدام التخطيط السليم، والتدخلات السياسية.
**الشرطة والقوات المسلحة** لم يعد لديهما القدرة على الحفاظ على النظام الاجتماعي، بل على العكس، تحوّلت بعض المجموعات المسلحة إلى مراكز قوة تهدد الاستقرار.
3. المجتمع المنقسم:
المجتمع السوداني يعاني من انقسامات عميقة، سواء على أساس عرقي أو ديني أو جغرافي. هذا الانقسام هو أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الفوضى. إذ أصبح من الصعب جدًا في ظل هذه الانقسامات، بناء جسور الثقة بين المواطنين والدولة، وكذلك بين المكونات الاجتماعية المختلفة.
غياب الثقة بين الحكومة والمجتمع يفاقم الأوضاع. حيث يشعر الكثيرون في مناطق مختلفة من السودان بأنهم مهمشون، مما يزيد من حالة الاحتقان الشعبي.
4. الفساد وغياب المحاسبة:
من أبرز التحديات التي تواجه السودان اليوم هو الفساد المستشري في جميع أنحاء الدولة. الفساد لا يقتصر فقط على المال العام، بل يشمل أيضًا الفساد الإداري والسياسي الذي أضعف المؤسسات الحكومية وجعلها غير قادرة على أداء دورها. في ظل غياب المحاسبة، ازداد الانفلات المالي والإداري، وأصبحت الثقة في الحكومة شبه معدومة.
5. الاقتصاد في حالة انهيار:
الاقتصاد السوداني يمر في أزمة عميقة. فقد فقد الجنيه السوداني قيمته بشكل حاد نتيجة للتضخم الكبير وارتفاع الأسعار، ما أدى إلى تدهور مستوى المعيشة. الموارد الأساسية من غذاء، ووقود، وخدمات صحية وتعليمية أصبحت نادرة، والحكومة غير قادرة على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
الخلاصة:
في ظل هذا الواقع القاسي، لا يمكن للحكومة المدنية القادمة أن تبني على آمال عمياء أو حلول مثالية. بل يجب أن تبدأ بفهم عميق للواقع المتأزم، والاعتراف بأن التغيير لا يأتي بين ليلة وضحاها. في هذا السياق، يجب تحديد الأولويات العاجلة: إعادة الأمن والاستقرار، إصلاح المؤسسات، ومكافحة الفساد، وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة. فقط بعد هذا، يمكن التفكير في حلول طويلة الأمد لبناء دولة ديمقراطية قوية وعادلة.
أما الآن، فنحن بحاجة إلى خطة واقعية تنطلق من هذه الأزمات، وليس من الأوهام.