إفريقيا بين مطرقة الصين وسندان الإمارات: مطارات تُدار عن بُعد”
إفريقيا بين مطرقة الصين وسندان الإمارات: مطارات تُدار عن بُعد"

إفريقيا بين مطرقة الصين وسندان الإمارات: مطارات تُدار عن بُعد
بقلم: سامي إمبابي
في تقرير حديث لصحيفة “الفايننشال تايمز”، كُشف النقاب عن مدى التغلغل الإماراتي المتنامي في القارة الإفريقية، بدعم وتشجيع غير معلنين من الولايات المتحدة الأمريكية. ما كان يبدو في الأمس القريب كاستثمار بريء في البنية التحتية والنقل والخدمات، أصبح اليوم جزءًا من لعبة دولية أكبر عنوانها: الحرب الباردة الجديدة بين الصين وأمريكا، وساحتها إفريقيا.
تسعى الإمارات إلى بناء نفوذ إستراتيجي في عدد من الدول الإفريقية من خلال بوابات تبدو “مدنية”، مثل تشغيل المطارات والموانئ، وتمويل مشاريع الاتصال والطيران. في الواقع، هذه ليست سوى أدوات صلبة ضمن مشروع توسع جيوسياسي ناعم، يعيد رسم خريطة النفوذ في القارة.
الولايات المتحدة، التي ترى في الصين منافسًا شرسًا على خيرات إفريقيا، تغض الطرف عن هذا التوسع الإماراتي، بل ربما تشجعه ضمنيًا، لأنه يوفر واجهة غير أمريكية لكبح المد الصيني في القارة. فبينما تبني الصين سكك الحديد وتستثمر في الطاقة والمعادن، تزرع الإمارات شركاتها في مفاصل التحكم بالسيادة الوطنية لدول تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة.
ولعل السودان مثال صارخ على هذا المشهد المعقد. ما يحدث فيه من تحولات عسكرية وسياسية واقتصادية لا يمكن فصله عن هذه الصراعات. الإمارات، عبر شركات طيرانها وموانئها، وعبر دعمها لبعض الأطراف في الداخل السوداني، تلعب دورًا يذهب إلى ما هو أبعد من “الدعم التنموي”. فالمطارات السودانية التي أصبحت تُستخدم بشكل شبه حصري من قِبل شركات الطيران الإماراتية، لم تعد مجرد بوابات عبور، بل تحولت إلى أدوات هيمنة.
شركات الاتصالات الإماراتية، المنتشرة في أكثر من عشر دول إفريقية، لا تكتفي بجني الأرباح، بل تمثل أيضًا أذرعًا لجمع البيانات وفرض نوع من “الرقابة الحديثة” على الشعوب والمؤسسات. أما الموانئ التي تُمنح امتياز إدارتها لشركات إماراتية، فهي ليست فقط للتجارة، بل أيضًا نقاط ارتكاز بحرية يمكن استخدامها عند الحاجة لأغراض تتجاوز الاقتصاد.
يبقى السؤال: إلى متى ستظل إفريقيا تُدار من الخارج؟ وإذا كانت الحرب الباردة الأولى قد انتهت بتقسيم القارة بين نفوذ سوفيتي وغربي، فهل نحن أمام إعادة تدوير لتلك اللعبة، ولكن بأدوات مختلفة ووجوه جديدة؟
إفريقيا اليوم لا تحتاج إلى وكلاء نفوذ جدد، بل تحتاج إلى سيادة حقيقية واستقلال في القرار، بعيدًا عن استثمارات ظاهرها الرحمة وباطنها الهيمنة.