مقالات الرأي

علي صلاح البخيت يكتب.. شمس الحافظ عبدالله حين يُضيء الحلم عتمة النزوح

بقلم : علي صلاح البخيت
في عالم تمزقه النزاعات، وتضيع فيه الأحلام بين أروقة اللجوء ومخيمات النزوح، تُولد أحيانًا شخصيات استثنائية تُعيد صياغة معنى الحياة، وتُجبر العالم على التوقف احترامًا الطالبة شمس الحافظ عبدالله واحدة من هذه الشخصيات النادرة، التي خطّت اسمها بحروف من نور في سجل الشرف السوداني، بعد أن أحرزت المركز التاسع في امتحانات الشهادة السودانية بنسبة 94.7%، رغم أنها قطعت أكثر من ٣٦٦٢ كيلومتر من دولة تشاد إلى مدينة الدامر بولاية نهر النيل، متحدّية الظروف الجغرافية والسياسية والاقتصادية، بل والإنسانية.
ما قامت به شمس لا يمكن اختزاله في جهد طالبة طموحة فقط، بل هو تجلٍّ نادر لمعنى الإصرار في أبهى صوره. أن تقطع آلاف الكيلومترات لأجل امتحان، وأنتِ في سنّ الدراسة، تعني أن هناك نارًا في الداخل لا تنطفئ، وإيمانًا بأن التعليم ليس رفاهية، بل ضرورة للنجاة. ما بين التشرد وفقدان الاستقرار، اختارت شمس أن تكون صوتًا لكل من كُتمت أحلامهم تحت وطأة الحرب.
نجاح شمس لم يكن نتيجة ذكاء فردي فقط، بل كان ثمرة صبر وجلد وتضحية. رحلة لا تخلو من الجوع والتعب والخوف من المجهول. لكنها رغم كل ذلك، حملت حقيبتها وكتابها، وذهبت لتواجه أكبر امتحانات الحياة وهي في عمر الزهور. لقد كانت تمثل، في صمت، جيلاً كاملاً يعيش على هامش التغطية الإعلامية، ويصارع من أجل التعليم في بيئات لا تعترف بحقوق الإنسان.
إن ما حققته شمس الحافظ عبدالله ليس نجاحًا فرديًا فقط، بل إنجازًا وطنيًا ينبغي أن يُترجم إلى مبادرات ومؤسسات. حان الوقت لتتبنى الجامعات السودانية هذه النماذج وتمنحها المساحة لتتطور. بل يجب أن تُكرّم شمس، لا بوصفها طالبة متفوقة فحسب، بل كرمز من رموز النضال السلمي، ونموذج ملهم لكل من أنهكته الحياة.
الدولة بدورها مطالبة بأن تعيد النظر في سياساتها تجاه الطلاب في ظروف اللجوء، وأن تعيد صياغة منظومة التعليم لتكون أكثر شمولًا وإنصافًا فمثل هذه العقول إن لم نحتضنها اليوم، ستحتضنها أوطان أخرى، وسنخسر ثروة لا تُقدّر بثمن.
في زمن اليأس، تظهر شمس. وفي ليل النزوح الطويل، يُشرق نور. إن ما قدمته شمس الحافظ عبدالله ليس قصة نجاح، بل إعلان صريح بأن الأمل لا يموت، وأن الإنسان قادر على خلق المعجزة إذا آمن بها. هي الآن أيقونة، ومنارة، ودعوة مفتوحة للجيل الجديد أن لا مستحيل أمام الطموح، ولا حدود أمام العقل إذا كان مدفوعًا بالشغف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى