علي صلاح يكتب.. الطيور الجريحة… وصمت المعاقين وسط أنقاض الحرب

بقلم: علي صلاح البخيت
في مشهد عابر، لكنه كسر القلوب، انتشر مقطع مصور لطائرٍ صغير يفارق سربه مضطرًا، بعدما فقد أحد جناحيه.
بدا عاجزًا عن الطيران، يلوّح بجناحه السليم في محاولة يائسة للعودة إلى السماء، إلى حيث ينتمي
لحظة مؤثرة تختصر مآسي لا تنتهي في عالمنا، حيث الجرحى والمعاقون يسيرون مثقلين بآلامهم في مجتمع يمضي سريعًا وينساهم.
هذا المشهد البسيط أيقظ جراحًا أعمق وهي جراح الحرب اللعينة التي مزقت الأوطان وألقت بظلالها السوداء على المواطنين والقوات النظامية على حد سواء.
هؤلاء الذين لم تُكتب أسماؤهم في قوائم الشهداء، لكنهم يموتون كل يوم بشكل آخر؛ بعجزهم عن الحركة عن النطق وعن الأكل و عن أداء أبسط احتياجاتهم اليومية.
كم من شابٍ كان يركض في الساحات يوماً، وأصبح اليوم حبيس كرسي متحرك؟
كم من طالب كان يحلم بأن يكون رياضيًا أو مهندسًا أو معلمًا، وفقد أحد أطرافه؟
وكم من أبٍ أو أمٍ وجدوا أنفسهم فجأة بحاجة لمن يمسح دموعهم ويطعمهم ويعبر بهم الشارع؟
إن الإعاقة ليست مجرد حالة طبية، بل هي جرح اجتماعي عميق وهي اختبار حقيقي لضمير المجتمع ووعيه الإنساني والمعاقون هم ضحايا مرئيون، يصرخون صمتًا، يحتاجون إلى أكثر من كلمات المواساة ويحتاجون إلى دعمٍ طبي مستمر وبرامج دمج اجتماعي و بنية تحتية تضمن كرامتهم، واهتمام رسمي يتجاوز الشعارات..
الحرب لا تنتهي عند آخر طلقة؛ تبقى ندوبها شاهدة على قسوتها.
إن مسؤولية رعاية ذوي الإعاقة مسؤولية جماعية: الدولة مطالبة بوضع خطط شاملة لإعادة تأهيلهم ودمجهم، والمجتمع مطالب بأن يرى الإنسان فيهم لا العجز، وأن يبني ثقافة تحترم الاختلاف..
معاَ لنجعل من مأساة الطائر درسا لا يُنسى ولنكن الجناح الذي يطير به هؤلاء، بعدما مزقت الحرب أجنحتهم.
لعلنا بذلك نعيد بعض ما سُرق منهم… وبعض ما سُرق منا جميعًا.