
على أعتاب الرحيل من وطني السودان، وأنا أغادر أرض الصمود والجراح، تتزاحم في قلبي المشاعر، وتحملني الذاكرة إلى مصر… إلى أخت بلادي، إلى شقيقتنا الوفية التي لم تخذلنا يومًا.
أرحل من بين أنقاض الحرب التي أراد بها أعداء الحياة أن يكسروا إرادة شعبي، فإذا بالسودان يزداد صمودًا، ويتشبث بالكرامة كما تتشبث الأشجار العتيقة بالأرض الطيبة.
أحمل في روحي انتصارات بلادي على ذلك التمرد المدعوم، وأمضي وفي قلبي زادٌ من الذكريات… ذكريات الأخوة الصادقة التي جمعتنا بمصر، حين كانت العروبة أوسع من الجغرافيا، وحين كان النيل يسقي أحلامنا المشتركة.
مصر ليست مجرد وجهة للعلاج، أو محطة للراحة، بل هي حضنٌ دافئ نعرفه منذ الأزل.
مصر التي امتزجت دماؤها بدمائنا عبر التاريخ، مصر التي تشبعت أسرنا بأنسابها، وتشابكت جذورنا بجذورها.
مصر التي، مع أولى طلقات الحرب، مدت لنا يدها بلا تردد، فتحت أبوابها وحدودها وقلبها قبل كل شيء.
احتضنت أبناء السودان الذين ضاقت بهم الديار، واستقبلت موجات النزوح الأولى برحابة صدر لا يعرفها إلا من عرف معنى الأخوة الحقّة.
مصر يا أخت بلادي…
لقد كنتِ ملاذًا آمنًا، وسندًا كريمًا.
كنتِ وما زلتِ تحملين هم السودان كأنه همّك، وتفرحين لفرحه كأنه فرحك.
وأنا أمضي نحوك، أحمل معي رسالة وفاء من كل سوداني عرف طعم الغربة، ووجد فيك وطنًا آخر لا يقل حنانًا عن وطنه.
وأقول لك بكل صدق:
سننهض من تحت الرماد، سنبعث من بين الأنقاض، سيعود السودان شامخًا كما عهدتيه،
وسنظل نذكرك بيننا، ونرد لك الجميل بما يليق بكرمك ومواقفك النبيلة.
—
الخاتمة:
وإني إذ أحمل روحي على راحتي وأمضي نحوكِ يا مصر، لا أنسى أن أقول للعالم كله:
نحن أمة لا تنكسر، وشعب لا يُهزم، وأخوة لا يقطعها دخان الحرب ولا خيانة الزمان.
ستبقى مصر في قلوبنا وطنًا حين يضيق بنا الوطن، وستبقى السودان في وجدان مصر روحًا لا تموت.
سلام عليكِ يا مصر…
وسلامٌ على السودان وهو ينهض، جبارًا، حرًا، أبيًّا…
الله أكبر والعزة للسودان، والمجد لمصر الوفية.