سامي إمبابي يكتب .. السودان؛ أفضل نموذج للتعايش السلمي عبر تاريخه

السودان: أفضل نموذج للتعايش السلمي عبر تاريخه
بقلم: سامي إمبابي
من يقرأ تاريخ السودان بتمعن، يدرك أنه كان ولا يزال أرضًا خصبة للتعايش السلمي، ومثالًا حيًّا للتنوع الذي ينصهر في بوتقة واحدة تُسمى “السودان”. ففي قلب هذا الوطن الشاسع، تعايشت على مرّ العصور أعراق وجاليات متعددة، لم تكن مجرد ضيوف عابرة، بل كانت جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي والثقافي السوداني.
عرف السودان منذ قرون وجود الأقباط الذين اندمجوا في المجتمع السوداني دون حواجز، كما شهد تواجد اليهود الذين أسسوا لأنشطة تجارية واجتماعية أثرت في الحياة العامة، وكذلك الإغريق الذين جاؤوا من أوروبا ليستقروا في السودان ويصبحوا جزءًا من حاراته وأسواقه، والمغاربة الذين حملوا معهم ثقافتهم واندمجوا بكل يسر، بل وحتى الهنود الذين أصبحوا من رموز النشاط التجاري في السودان، وأغلبهم اليوم يحمل الجنسية السودانية، يشاركون في صناعة الاقتصاد ويعيشون بانتماء صادق لهذا الوطن.
ولا ننسى المصريين الذين يعيشون في السودان وكأنهم سودانيون تمامًا، دون شعور بالغربة، في تجسيد واضح لعمق العلاقات بين الشعبين، ولقيم التسامح والتلاحم التي تسود هذا البلد.
أما عن التعايش بين القبائل السودانية، فقد كان ولا يزال من أبرز ملامح هذا الوطن. فمن شمال السودان إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، نجد القبائل المختلفة تتقاسم الأرض والماء والعيش، في تناغم اجتماعي قلّ أن نجد له مثيلًا. لكن، وللأسف، فإن هذا المشهد الجميل بدأ يتشوه في السنوات الأخيرة بفعل التدخلات السياسية الساعية للسلطة.
لقد سعى بعض السياسيين إلى تغذية العنصرية والقبلية، واستخدامها كأداة للفوز في الانتخابات، والوقوف مع مجموعات بعينها على حساب أخرى، وهو ما أدى إلى بروز خطاب الكراهية، وتصاعد النزعة القبلية التي أصبحت مهيمنة على المشهد العام، مهددة لوحدة البلاد وسلمها الاجتماعي.
ما نحتاجه اليوم هو وقفة صادقة من الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، وكل القوى الوطنية، للعمل على نبذ خطاب الكراهية، واستعادة الروح القومية، من خلال الإعلام بكافة وسائله، وعبر الندوات والمحاضرات والأنشطة المجتمعية التي تعيد زرع قيم الوحدة والانتماء.
نحتاج أن نعيد ترديد الشعار الذي يعبر عن جوهر السودان الحقيقي: “السودان يسع الجميع… والقومية هي شعارنا”. وطننا كبير، وكل بقعة فيه هي ملك لكل سوداني، من حقه أن يعيش فيها ويشعر بالأمان والانتماء. فلنعمل جميعًا من أجل سودان واحد، موحد، يحتضن كل أبنائه على اختلاف أصولهم وثقافاتهم.
هذا هو السودان الذي نعرفه ونفتخر به، وهذا هو السودان الذي يجب أن نعيد بناءه معًا.