مقالات الرأي

بدر الدين عبدالقادر يكتب .. رمزية الفاشر تفرض نفسها على منابر الأمم المتحدة

عبق الحروف
بقلم : بدرالدين عبدالقادر

لم يعد الحصار على مدينة الفاشر وبقية مدن دارفور مجرد أزمة إنسانية محلية، بل صار ملفًا حاضرًا على منابر المجتمع الدولي، بعد أن حمل وفد السودان إلى نيويورك قضيته بكل وضوح وصراحة وسمى الأشياء بمايستحقها من الاسماء .
رئيس الوزراء د. كامل إدريس، وفي أول ظهور له أعقب مشاركته باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، كشف أن الوفد السوداني أجرى حراكًا واسعًا، تمحور حول هدف رئيس: وهو فك الحصار عن مدينة الفاشر والمدن المحاصرة، ووقف الانتهاكات ضد المدنيين.
الوفد لم يكتفِ بالحديث العام، بل طالب صراحةً بتصنيف مليشيا الدعم السريع بالمليشيا الإرهابية وهو موقف جريء يعكس تحوّل الخطاب السوداني من خانة التوضيح إلى دائرة المطالبة الفعلية. كما شدد إدريس على أن السودان يتمسك أمام المجتمعين الدولي والإقليمي بسيادته وسلامة أراضيه، داعيًا العالم إلى إدانة جرائم المليشيا المتمردة بلا مواربة.
وفي رسالة وجدانية لافتة، قال رئيس الوزراء إن مقاومة مدينة الفاشر مثلت درس تاريخي للإنسانية، مؤكداً أن صمود أهلها في وجه الحصار والقصف والحرمان سيظل شاهداً على قوة الإرادة وعمق الانتماء للوطن. وأشار إلى أن فك الحصار لن يقتصر على الفاشر وحدها، بل سيمتد إلى الدلنج وكادقلي وكل المدن المحاصرة، غير أن رمزية الفاشر جعلتها تتصدر المنابر وتكون صوت السودان الأول في الأمم المتحدة.
المكسب اللافت في هذا الحراك أن السودان وجد تفاعلاً واضحًا ودعمًا ملموسًا من دوائر الأمم المتحدة ومؤسساتها، بل أن رئيس الوزراء أعلن عن قبول الأمين العام أنطونيو غوتيريش دعوة لزيارة السودان، وهي إشارة سياسية مهمة تؤكد أن ملف الأزمة لم يعد في الهامش. كما لفت إدريس إلى أن استجابة الاتحاد الإفريقي كانت استجابة فعلية، ما يعكس إدراكًا إقليميًا متزايدًا بخطورة ما يجري على الأرض.
وأضاف إدريس أن الرسالة الفعلية التي خرج بها الوفد بعد عدة لقاءات مع وكالات الأمم المتحدة، هي أننا لم نذهب لنتسول، وإنما ذهبنا أقوياء ودعاة سلام، نحمل قضيتنا بإيمان راسخ ونعرضها بروح المسؤولية الوطنية.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن زيارة المملكة العربية السعودية كانت من أعظم الزيارات، حيث اتفق السودان مع أشقائه هناك على أن مستقبل الدولتين يكمن في الشراكات المنتجة، وأن البحر الأحمر هو الممر الاستراتيجي المهم، والكنز الذي يمكن أن يجعل السودان والسعودية من أغنى دول العالم.
وختم إدريس بالتأكيد على ضرورة تجديد رسالة الأمل لأهل السودان، إذا تحقق الإجماع المطلق واتفق أبناؤه على بناء الدولة، موجهاً في الوقت نفسه رسالة للإعلام بضرورة التفاعل مع القضايا الكبرى، والابتعاد عن الهامشيات التي تستهلك طاقة الرأي العام.
هذا الحراك – وإن كان خطوة على الطريق – يطرح تساؤلات مهمة: هل ينجح صوت السودان في نيويورك في إحداث ضغط دولي واقليمي حقيقي على المليشيا؟ وهل تتحول بيانات التضامن والدعم إلى خطوات عملية توقف معاناة أهل الفاشر ودارفور، والدلنج وكادقلي وسائر المدن المحاصرة؟
ما بين سؤال اليوم وإجابات الغد، يظل الأمل معقودًا على أن يتحول هذا الصوت إلى فعل، وأن يتجاوز السودان مرحلة عرض المظلمة إلى انتزاع الحق المشروع في الحل وفرض السلام بمايحترم سيادة وهيبة الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى